"المهاجر شخص يعتقد خطأ بأنّ بلداً ما هو
أفضل من آخر"، من وجهة نظر الكاتب والصحافي الأميركي أمبروز بيرس. لا شكّ في أنّ
هذه النظرة تتوقّف عند مفهوم الهجرة الاقتصادية، من دون أن تعير اهتماماً للهجرة التي
تأتي لأسباب محض إنسانية. فتكون بذلك غير واقعية من الناحية التاريخية، لأنّ مسار التاريخ
الإنساني يظهر أنّنا جميعاً مهاجرون في هذه الأرض وما يميّزنا هو أنّ مكان ولادتنا
وحده الذي يتغيّر.
الهجرة لأسباب إنسانيّة هي هجرة بالإكراه
تسلخ الإنسان عن واقعه اليومي وتخرجه من دائرة الاستقرار لتدخله في عالم جديد مليء
بالعذاب النفسي والجسدي والمادي، الأمر الذي يوجب عليه بذل جهد كبير للتأقلم في مجتمعه
الجديد ويفرض على هذا المجتمع وضع إطار قانوني واجتماعي ومالي لتمكين المهاجر من الانخراط
في المجتمع عبر فهم قيمه وعاداته. من هنا، كان تدخّل المشرّع في كلّ الدول ليحدد إطاراً
واضحاً لهذه العلاقة من جهة ومن جهة أخرى توصيفاً جديداً لهذا المهاجر وهو "اللاجئ".
الحق في طلب اللجوء من الحقوق الأساسية
للإنسان، إلا أنّ القوانين الداخلية في دول عديدة ميّزت ما بين ثلاثة أنواع لجوء، الأوّل
هو الذي يفرض منح اللجوء الإنساني لكلّ شخص كان عرضة للاضطهاد بسبب أصوله أو دينه أو
جنسيته أو انتمائه إلى هيئة اجتماعية ما في بلده الأصلي، أو كان عرضة للاضطهاد بسبب
آرائه السياسية. الثاني هو اللجوء الدستوري الذي يوجب منح اللجوء لكلّ شخص كان عرضة
للاضطهاد بسبب دفاعه عن قيم الحرية في مجتمعه. أمّا الثالث فهو الحماية القانونية الفرعية
التي تمنح لكلّ شخص لم يكن عرضة للاضطهاد وإنما قد يتعرّض له، الأمر الذي يهدّده بخطر
الموت أو التعذيب أو وتهديد جسيم آخر.
تجدر الإشارة إلى أنّ الحصول على صفة لاجئ
ليست تلقائية، بل تخضع إلى إجراءات تقوم بها عادة منظمة حكومية رسمية للتثبّت من صحة
ادعاءات طالب اللجوء بوجود اضطهاد أو خطر على حياته، وللتأكد من أنّ بلده الأصلي ليس
آمناً، وللتحقق من أنّ وجوده على أراضي الدولة المضيفة لا يمثّل تهديداً للأمن والسلام
والنظام العام فيها.
في المقابل، ومنعاً لتعسّف سلطة البلد المضيف
في رفض طلب اللجوء وحرصاً على احترام الاتفاقيات الدولية، فإنّ أكثرية الدول أنشأت
محاكم استثنائية متخصصة في مجال اللجوء هدفها رقابة الإدارة، كما الحال في فرنسا مع
المحكمة الوطنية لحقّ اللجوء التي يستطيع المستدعي أمامها أن يطعن في كل قرار إداري
رافض لمنحه هذا الحق.
الاعتراف للمهاجر بصفة اللاجئ يمنحه الحق
في الإقامة الشرعية في بلد اللجوء، الأمر الذي يعني من الناحية الإدارية حلول سلطات
البلد المضيف مكان سلطات البلد الأساسي في إصدار الوثائق الرسمية الخاصة به (وثائق
الولادة ووثائق الزواج وغيرها) إذ من غير المسموح له التواصل مع سلطات بلده الأم.
تمتد هذه الحماية القانونية إلى أفراد عائلة
اللاجئ، إذ يمكن لزوج أو زوجة الشخص الحاصل على اللجوء أن يلتحق بشريكه في البلد المضيف،
مستفيداً من عملية جمع الشمل العائلي. يأتي ذلك احتراماً للحق في الحياة العائلية والحفاظ
على وحدتها، وهو مبدأ كرّسته مختلف التشريعات الدولية والوطنية. كذلك يمكن للاجئ أن
يستحصل على إقامة شرعية لأولاده القاصرين، فيستفيدون تلقائياً من الحماية القانونية.
أمّا أولاده الراشدون، فعليهم أن يتقدّموا بطلبات فردية للاستحصال على الإقامة.
والإقامة الشرعيّة لا تعني الإقامة الجبرية،
فيكون للاجئ وعائلته الحقّ في السفر داخل أراضي الدولة المضيفة من دون قيود. أمّا السفر
الى خارج الدولة المضيفة، فيكون ممكناً بشروط، عبر الحصول على وثيقة سفر خاصة مقدّمة
من إدارة البلد المضيف وفقاً لأحكام اتفاقية جنيف لعام 1951 وتوابعها. يُذكر أنّ اللجوء
يمنع صاحبه من السفر إلى وطنه الأصلي، إلا في حالات جدّ استثنائية تفترض غياب أيّ ضرر
أو خطر محدق بحياته.
من الناحية الاجتماعية، يستفيد اللاجئ من
حقوق اجتماعية عدّة، فيكون له الحقّ في مسكن. لا يعني ذلك إلزام الدولة بإسكانه في
منزل أو شقة مستقلة، وإنّما استفادته من إقامة في مراكز خاصة باللاجئين، غالباً ما
تكون مكتظة. كذلك يحقّ له التعلم في مدارس الدولة المضيفة وجامعاتها، بالإضافة إلى
دخول سوق العمل ضمن الشروط والأطر نفسها المخصصة للأجنبي المقيم شرعياً، والاستفادة
من ضمان البطالة.
أمّا من الناحية المالية، فيكون للاجئ الحق
في الحصول على مساعدات وتقديمات نقدية شرط ألا يكون متمكناً من الناحية المالية. وذلك
لا يعني حصوله على معاش شهري يعادل الحدّ الأدنى للأجور، وإنّما على مساعدة بسيطة لتغطية
الاحتياجات اليومية. في فرنسا على سبيل المثال، لا تتجاوز هذه المساعدة الشهرية ربع
قيمة الحدّ الأدنى للأجور.
أمّا من الناحية الصحية، فإنّ الحصول على
صفة لاجئ تعطي صاحبها في غالبية الدول المتقدمة الحق في الحصول على رعاية طبية شاملة
وذلك على نفقة الدولة المضيفة، وهو أمر يجب العمل على نشره وتطبيقه في الدول العالم
الثالث تحت رعاية الهيئات والمؤسسات الدولية وبمساعدتها.
يحصل طالب اللجوء على الحقوق والحماية،
لكنّ من واجبه في المقابل احترام قواعد البلد المضيف وقوانينه وأعرافه، وهو يُدعى إلى
التأقلم مع القيم الاجتماعية والإنسانية لهذا البلد، عملاً بقول الفيلسوف سقراط:
"ما يجعل من المرء إنساناً هو قدرته العظيمة على التأقلم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.